الصدى في وسائل الاعلام

وصلت الرسالة بعد ألفي عام
باسم الطويسي
 
بعد مرور 86 سنة على تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، وبعد كل هذه الحكومات التي تردد عليها عشرات الرؤساء، لأول مرة يحمل الخطاب الرسمي الحكومي أول إشارة حول أهم انجاز في تاريخ الثقافة العربية أنجز فوق الأرض الأردنية، وصلت الرسالة بعد ألفي عام في كلمة الدكتور معروف البخيت في افتتاح مؤتمر الملتقى الإعلامي العربي، حين أشار الى أن الأرض الأردنية شهدت أهم انجاز حضاري اتصالي في تاريخ الثقافة العربية تمثل في اول ثورة اتصالية عربية نقلت اللغة العربية من لغة محكية غير مكتوبة الى لغة مكتوبة أي الإنجاز العظيم الذي حققه العرب الأنباط بإيجاد الحرف العربي وتدشين الكتابة العربية التي أدخلت العرب الى التاريخ.

منذ عشرة أعوام عملت مع مجموعة من المثقفين والأكاديميين الأردنيين ومن خلال جمعية "بيت الأنباط" على تحفيز الوعي الوطني لإحداث مصالحة بين عقل الدولة وتاريخ الجغرافيا الأردنية في حدود الوعي العام على اقل تقدير، وعبر أربعة مؤتمرات قدمت حوالي 260 بحثاً علمياً وثمانية كتب حول الأنباط وحضارتهم باللغة العربية وعشرات الأنشطة العلمية الأخرى، كنا نعتقد اننا فشلنا في الوصول الى إقناع العقل الرسمي بأطروحة مركزية كيف نتقدم بالخطاب الرسمي بالاستناد الى هذا المخزون الحضاري الحداثي، واحد الأمثلة الكبرى قصة الكتابة العربية باعتبارها لحظة فاصلة وحاسمة في تاريخ الثقافة العربية، تضاف الى عناصر قوة الدولة في عصر تعد المعرفة والريادة في الإنجازات هي احد مصادر القوة والهيبة الحقيقية للدولة المعاصرة.

المفارقة المؤلمة ان السبق الذي حققه الدكتور البخيت يأتي في أجواء محرجة وسط ضجيج حول البتراء والأنباط يزدحم بالكثير من السذاجة والسخف وتزييف الوعي والأخطاء في حملات ما يسمى التصويت للبتراء التي تدار بذهنية رجال الأعمال الصغار والطارئين أكثر من وعي رجال الدولة وعمق الماضي وحاجة الحاضر للتقدم به.

شيد الأنباط فوق الأرض الأردنية مشروعاً حضارياً ضخماً لا تقل أهميته في ظرفيته التاريخية عن المشروع العربي الإسلامي، بل ان المشروع الأول يعد هو الأساس للمشروع الثاني، فلقد بني المشروع الإسلامي العظيم على اللغة المكتوبة رمز الإعجاز وأداة التعبئة والانتشار، وكانت أساس التكامل السياسي وأداة الإندماج الإجتماعي، ومن هنا جاء الأنباط بالانجاز الأهم في تاريخ الثقافة العربية، حينما اوجدوا الحرف العربي المكتوب الذي طوروه عن الأبجدية الآرامية، حيث كانت العربية قبل ذلك التاريخ لغة بدائية غير مكتوبة. وهذا الانجاز الذي حمل المشروع العربي الإسلامي الى العالم ومنح النبوة والرسالة الإسلامية شروط التحقق الموضوعية، هو الحرف الذي انتشر خلال القرون الماضية، انتشاراً واسعاً واستخدمته شعوب عديدة منها (الفرس، والباكستانيين، الأفغان، البربر وغيرهم) وأصبح الحرف الثاني بعد الحرف اللاتيني في الانتشار، لو كانت قصة هذا الانجاز تنتسب لأحد الأقاليم الشقيقة المجاورة، لتم تسييس الحجارة والصخور والرمال، لكن ونحن ندري أو دون ان ندري كان احد أهداف معركة الايديولوجين العرب تغييب هذا التاريخ وتجهيل الناس بهذا التراث الحضاري، وهو الهدف الذي التقى ذات يوم مع احد أهداف الخطاب الصهيوني حول فرضية الخلاء التاريخي لشرق الأردن.

وسط الضجيج الإعلامي الفارغ من المضمون والمملوء بالأخطاء حول البتراء الذي تتحمل مسؤوليته هيئات إعلامية وسياحية احتار الأردنيون حتى في اسم البتراء بعد ان تم تحويلها الى سلعة لمن يدفع أكثر، حيث يفتقد البناء المعنوي والرمزي للدولة لمهمة ربط الناس بتاريخهم الحضاري بشكل موضوعي بشأن الأنباط وغيرهم، الأمر الذي افقدنا ما يسمى (روح الدولة).

لا يوجد في عمان التي تحتوي الآف الشوارع ومئات المرافق العامة شارع يحمل اسم الأنباط أو اسم احد ملوكهم أو رموزهم، ولا يوجد مرفق عام في عمان مجمع ثقافي أو مسرح يحمل إشارة للملك المؤابي العظيم ميشع أو للادوميين، لا يوجد أغنية وطنية تذكر الأردنيين بماضي وطنهم وتعرج على الأنباط، ولا يوجد عمل موسيقي هام أو درامي في هذا الشأن.

ومن السخرية ان نسمع مؤخرا ان جهة ما استأجرت من الأشقاء المصريين من يكتب كلمات أغنية توظف في هذا العرض الثقيل الحالي حول البتراء.

دولة الرئيس؛ شكرا لك، وصلت الرسالة ولو بعد ألفي عام، ونتمنى ان لا ننتظر لجيل أو ثلاثة أجيال حتى تصل الى الآخرين.