الصدى في وسائل الاعلام

البتراء: نفط أردني متروك للاحتكار وسياحة '' اليوم السابع''

الرأي : الأربعاء 23/6/1999

ياسر أبو هلاله

 

تشعر بعظمة الحضارة العربية النبطية في البتراء بقدر ما تشعر بالتقصير الرسمي والشعبي بحق عاصمة اول الحواضر العربية التي يمكن ان تكون بترول الاردن الذي لا ينضب.

ليس في ذلك مبالغة، فقد قالها سلطان ماليزيا( النمر الاسيوي اقتصاديا وصناعيا) عندما زار البتراء وتساءل كيف يبحث بلد عن النفط ولدية هذا الكنز.

اكتفينا رسمياً بتسمية وكالة الاعلام الرسمي" بترا" فيما تركنا الدعاية السياحية الاسرائيلية تكرس مقولتها " ستة ايام في اسرائيل واليوم السابع في البتراء مجاناً". وكم يبدو مضحكا التجيير الاقتصادي والثقافي لعاصمة الانباط الذين هزموا دولة يهودا والرومان معا!

وعلى رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها مجلس تنظيم اقليم البتراء (مساحته 900 كيلومتر مربع) في مجال البنية التحتية والتخطيط لمستقبل المنطقة بما يحافظ على بيئتها وهويتها. فان تلك الجهود (المحلية) لا تغني عن الجهد الوطني لاستثمار المدينة الوردية بالشكل المطلوب.

المسألة ليست ترفا فالسياحة التي تشكل 9 % من الدخل الوطني تعتمد على "البتراء" بشكل أساسي.

ومضاعفة نسبة مشاركتها في الدخل الوطني لا تحتاج الى معجزة وليس هذا المطلوب فقط، فالبتراء تعني اكثر من ذلك.

فالاردن بحاجة الى السياحة، والجنوب بحاجة الى تنمية ويمكن تحقيق الثانية من خلال الاولى والعكس. فالبتراء السياحية لا يجوز ان تكون معزولة عن العقبة ووادي رم، وكذلك عن مراقد الصحابة في مؤتة وجبل التحكيم في معان، لماذا لا يكون تنظيم اقليم البتراء قطاعيا لا جغرافيا بحيث تتكامل السياحة التاريخية، والدينية والترفيهية، ويضاف اليها العلاجية في البحر الميت وحمامات عفرا والبيئية في ضانا..؟

هذا التنوع والتكامل قلما يوجد له مثيل في دول العالم، خصوصا اذا أضيف له مغطس نهر الاردن واقدم كنائس العالم على ساحل العقبة ونحن على ابواب احتفالات الألفية الثالثة.

وهذا الاستثمار السياحي (المأمول) يتوازى مع تحويل العقبة الى منطقة تجارة حرة والاستثمارات الصناعية والتعدينية والسكة الحديد في معان.

هذا المأمول، اما الواقع فأمر آخر. المستثمرون في قطاع السياحة في وادي موسى خصوصا اهالي المنطقة مرهونون للبنوك، وعلى رغم كل الجهود التي بذلوها لايصال شكواهم (حتى من خلال الاعلان في الصحف) فان اذان المسؤولين لا تسمعهم. فهم استثمروا بناءً على معطيات عام 1994 عندما كان معبر العقبة ايلات يغلق في السادسة مساءً، ويضطر السائح للمبيت في وادي موسى، لكن الحال تغيرت وصار السائح يمضي اليوم المجاني في البتراء ويعود في ليلته الى اسرائيل.

عوامل اخرى كثيرة اسهمت في اضعاف سياحة وادي موسى، لكن ذلك لا يعني التخلي عن ابناء المنطقة وتحويلهم الى ساخطين يهددون مستقبل السياحة.

لماذا تتحكم اسرائيل في حركة الجسور ولا نتحكم في حركة المعبر لصالح مستثمرنا ولن نعدم الذرائع الاقتصادية والسياسية والامنية!

شكوى اخرى للمستثمرين في قطاع السياحة تتعلق بـ " احتكار النقل السياحي" وهذا يتناقض مع اقتصاد السوق الذي يضبط حركتنا السياسية والاقتصادية معا. فمن حق الجميع ان يستثمر في هذا القطاع في جو من المنافسة ويؤكد حسين الطويسي احد ابناء وادي موسى المستثمرين في قطاع السياحة ان احتكار قطاع النقل السياحي يفوت عليهم كثيرا من الفرص ويقيد حركتهم ويرهقهم ماليا ويحد من ابداعهم. ولا ضرورة للتذكير ان الاحتكار جريمة تعاقب عليها قوانين الدول الرأسمالية فيما يقتصر على الدولة في الاقتصاد الاشتراكي المنقرض.

ومع أهمية السياحة والاقتصاد فان للبتراء أهمية حضارية على مستوى وطني وعربي وعالمي لا تقدر بثمن وهذا موضوع حديث آخر.