الصدى في وسائل الاعلام

السياحة والسلام في وادي موسى

العرب اليوم/ الجمعة 25/6/1999

  شاكر الجوهري

مفاجأتان رئيسيتان تواجهان زائر البتراء لاول مرة اولاهما انه توجد في الاردن مدينة كبيرة اسمها وادي موسى......!

قد يكون عدم معرفتي بكبر هذه المدينة، بل هو بالقطع تقصير مني.. وقد يكون اسم المدينة لا يوحي بانها مدينة كبيرة، وانما هو مجرد اسم لواد من بين الوديات العديدة المنتشرة في كل أرجاء الاردن.. وقد يكون اسم البتراء التاريخية قد طغى على اسم المدينة الملاصقة لها، كما طغى اسم البتراء على الاسم التاريخي لعاصمة الانباط " الرقيم"…

هذه الاسباب مجتمعة قد تكون لعبت ادواراً متفاوتة، ولكنها تآزرت معاً لتجعلني، وبالقطع تجعل آخرين لا يعرفون بوجود مدينة متسعة اسمها وادي موسى، على الرغم من كل الطيبة التي يتمتع بها اهلها…

لذلك، كان مفاجئاً لي ولعدد من الذين رافقوني او سبقوني في الذهاب الى وادي موسى لحضور المؤتمر الاول لدراسات الانباط ، وجود مدينة تكاد تماثل السلط في اتساعها الجغرافي، بل وتفوقها قليلاً، وان كان تناثر البنيان في وادي موسى قد جعلها اقل سكاناً من السلط اذ يتراوح عدد سكان هذه المدينة حوالي السبعة عشر الف مواطن يعتاشون من العمل في المرافق السياحية المتعددة والعمل في أفرع القوات المسلحة والوظائف الحكومية.

المفاجأة الثانية قد تكون هي التي ساهمت في تعظيم المفاجأة الاولى… تلك هي الطريق الضيق الذي يقودك من خط عمان العقبة السريع الى الشوبك، ومن ثم الى وادي موسى.

طريق يتسع بالكاد لسيارتين.. واحدة في كل اتجاه، يفترض من يرتاده ان يؤدي به في نهاية المطاف الى اطراف مدينة البتراء ومن بينها واد باسم موسى، توقعنا ان نجد فيه بضعة فنادق متناثرة، وربما نشهد من هناك ايضا عددا من بيوت الشعر، افترضنا ان تكون تحيط بالمكان.

لذلك كانت المفاجأة كبيرة بمثل كبر مدينة وادي موسى، وعلى ذلك فان انتقادنا للطريق الضيق يجب ان يكبر ليصبح في حجم واتساع المدينة، التي اكتشفنا وجودها في نهاية ذلك الطريق … النفق…

لكن النقد يجب ان لا يحصر في ضيق الطريق، وعدم اشهار اسم المدينة التي يؤدي اليها. النقد يجب ان ينصب كذلك على النتائج السلبية التي ترتبت على ابناء هذه المدينة جراء معاهدة السلام مع اسرائيل.

قبل ابرام المعاهدة ومنذ ان بدأت مفاوضات السلام اثير مقدار كبير من التفاؤل الرسمي بشأن اعداد السياح المضاعفة التي ستؤم البتراء بعد اقامة السلام.

وكان هذا التفاؤل سببا في اقامة المزيد من الفنادق لاستقبال افواج الخير الآتي لكن الاسرائيليين خطفوا البتراء منا…!

تم اختطاف البتراء خاصة عبر المعبر الجنوبي حيث تحولت البتراء الى فقرة معزولة داخل الاردن من بين مواد برنامج سياحي حافل داخل اسرائيل… واصبحت الشركات السياحية الاسرائيلية تسوّق برامجها داخل اسرائيل للسائح الاوروبي والامريكي تحت عنوان زيارة البتراء عبر اسرائيل…!

وكانت النتيجة عدم تشغيل واشغال الفنادق الجديدة التي اقيمت في وادي موسى وتحولها الى مشاريع معرضة للافلاس والبيع بالمزاد العلني بابخس الاثمان من اجل تسديد قروض البنوك.

والاذكى من ذلك ان بعض غلاة اليمين في اسرائيل باتوا يتحدثون عن حقوق لاسرائيل في الوادي الذي سبق ان مر منه موسى وكأنه عليه الصلاة و السلام قد طاف كل بقاع الاقليم على بساط الريح … وكأن مروره يعطي لكل اليهود حقوقا بالملكية والسيادة…

وبعد كل ذلك ما زالوا يحدثونك عن السياحة والسلام….!

وهو حديث يستدعي ان نخص بالشكر اساسا " بيت الانباط" برئاسة الشاب المتألق حبا للوطن دون تطبيع باسم الطويسي… رئيس هذا البيت الذي لعب دورا رئيسا في التحضير لمؤتمر دراسات الانباط وتنظيمه، دون ان يدور في خلده هناك من أراد ان يوظف المؤتمر من اجل احداث عملية اسقاط تاريخي ليست في محلها بالتحدث عن سابقة علاقات بين دولة الانباط ودولة يهودا … وهو الأمر الذي يحتاج الى غير وقفة، خاصة من ذوي الاختصاص.