الصدى في وسائل الاعلام

اعادة نحت البتراء علميا واثراء المتراكم من المعارف

الهلال / الثلاثاء /4/10/2001

دراسات المؤتمر الأول لتاريخ البتراء .. والجوار الاجتماعي

الهيئة العربية للتواصل الحضاري- بيت الانباط- حشدت نخبة من الباحثين من جامعات الوطن كافة ليدرسوا " التاريخ الاجتماعي لمنطقة البتراء وجوارها" استنادا الى معيار محوري هو التغير والاستمرارية.. وكانت "وادي موسى" على موعد مع العلم من خلال اوراق عمل كانت محصلة لجهود باحثين من مختلف الاعمار والتخصصات ودرجة التحصيل العلمي.

الهيئة العربية للتواصل الحضاري- بيت الانباط- حشدت نخبة من الباحثين من جامعات الوطن كافة ليدرسوا " التاريخ الاجتماعي لمنطقة البتراء وجوارها" استنادا الى معيار محوري هو التغير والاستمرارية.. وكانت "وادي موسى" على موعد مع العلم من خلال اوراق عمل كانت محصلة لجهود باحثين من مختلف الاعمار والتخصصات ودرجة التحصيل العلمي.

اللقاء الذي امتد على مدار يومي 29- 30 آب اسهمت في انجاحه الهيئات الاهلية لوادي موسى اذ تعاون مع بيت الانباط كل من بلدية وادي موسى وجمعية سيدات الوادي ونادي وادي موسى.

ولعل الملاحظة الاولى التي يلتقطها المرء هي الأثر الكبير الذي احدثته جامعتا مؤتة والحسين بن طلال في اثراء الجو الثقافي للجنوب عامة اذ اصبح الجنوب غير ذلك الجنوب الذي انطبعت صورته في الذاكرة فهناك ثمة باحثين شباب وباحثات وحياة ثقافية عامرة ولم تخل اروقة الفنادق التي احتضنت الضيوف من احاديث في ردهاتها عن "الثقافي" و "السياسي" ما بين شباب وادي موسى والقرى المجاورة..

الملاحظة الثانية: ثمة إحساس عميق لدى الشبان الذين نظموا المؤتمر بانهم على محك الاختبار يريدون الخروج على صيغة القمر الذي يدور في فلك العاصمة حتى انك تكاد تسمع جملة "الاشقاء في عمان" ترن في آذنك وبالرغم من ذلك فان هذا الشعور يبقى في نطاق التبرير خصوصا عندما تقدم هذه الكوكبة من شبان وادي موسى الجهد الرفيع الذي تمثل في نجاح المؤتمر في نهاية المطاف.

فعاليات المؤتمر

لندخل في فعاليات المؤتمر ... فقد قسم يوماه الى فترتين صباحية ومسائية وعقدت اربع جلسات قدمت في كل جلسة عدة اوراق عمل اثارت معظمها حوارا منتجا ومفيدا.  

وباعتبار ان أي جهد علمي ذا طابع بحثي هو في المحصلة جهد يراكم على المعرفة وجميع ما قدم يدخل في دائرة الافادة والانتاجية ولكن المفاضلة قد تنعقد بصورة مشروعة بين ورقة واخرى خصوصا ان كانت هذه الورقة او تلك تدل على جهد بحثي مضن سبق اعدادها لذلك فلا بد من تسليط الضوء على اوراق دون اخرى اجتهادا في إبراز ما هو اكثر إفادة من غيره.

 
  ميشع والاسرائيليون   

كان ذلك عنوان لدراسة قدمها الدكتور محمد الطراونة في سياق جلسات المؤتمر وكانت هذه الورقة من الاوراق الخطيرة اذ اهتمت باعادة قراءة تاريخ شرق الاردن في العصور القديمة بعين الحاضر فأكدت ان ثمة وحدة سياسية في ذلك العصر جمعت العمونيين والمؤابيين والانباط في مواجهة ممالك اليهود. خطورة هذه الورقة انها كانت رغبوية حامية أذابت جليد العلمية البارد وهي بالمناسبة ليست لمصلحة الورقة رغم ان معدها هو دكتوراه في الانثروبولوجي من جامعة عريقة في المانيا والباحث ذاته معروف في الاوساط الاكاديمية بدقته العلمية الصارمة..

يقول الدكتور الطراونة في ورقته:

أتت الدراسة في سياقين: الاول وهو التاريخي الفعلي، أي سياق الاحداث نفسها، اما الثاني فهو التاريخي- الاسترجاعي، أي الذي تتم من خلاله قراءة التاريخ بدوافع نفسية منبثقة من الوضع الذي نعيشه وتبين ان المؤابيين شعب عربي أسس مملكة عريقة على ارض الاردن. ومن المسائل المهمة تلك الاستراتيجية التي تبناها ميشع للقضاء على الاسرائيليين، حيث تحالف مع الممالك الموجودة في الاردن آنذاك كالعمونيين والادوميين، حتى انه تحالف مع البابليين القادمين آنذاك من بلاد ما بين النهرين وانقض على الاسرائيليين في الجزء الغربي من نهر الاردن. واخيرا بينت الدراسة ان المؤابيين والادوميين انصهروا في الثقافة النبطية في أواخر عهد ممالكهم، واصبحوا جزءا من الشعب النبطي.

 
  وادي موسى والجوار    

الباحث مهند مبيضين اراد الاحتكاك مباشرة مع جميع من قدم بحوثا في اعتراضه على ترك تحديد مفهوم الجوار في بعده التاريخي والجغرافي اذ انتقد دون ان يثير من حوله فقد سهى جل الذين قدموا اوراق عمل عن ايراد تفسير علمي لمفهوم الجوار.

وقصر ورقته على سلسلة من الاسئلة العلمية التي تستفز الباحث لكي يعيد النظر فيما بحث..

وتطرق مبيضين الى ما تقدمه كتب الرحلات والبلدان الاسلامية عن منطقة وادي موسى وجوارها، في فترات اسلامية مختلفة يمكن لها ان تعدنا بدلالات تاريخية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وسياسية وبالتالي الاستفادة قدر الإمكان من الجغرافيا وادب الرحلات في رسم صورة ممكنة عن المنطقة وتاريخها.

وتحاول الدراسة ان تسند تلك المادة بما يتوفر من معلومات عن منطقة الدراسة من خلال كتب الفتوح والمغازي الاسلامية: اذ ان شح المادة في المعاجم والرحلات وكتب البلدان تقتضي مثل هذا التوجه، لان المدارك الجغرافية عند العرب بداية ظهور الاسلام ونهاية الجاهلية لم تكن تتجاوز حدود جزيرتهم إلا نادرا.

مبيضين قال أيضا ان البتراء وجوارها لم تكن في يوم من الايام صاحبة ريادة في الفعل الحضاري في مستواه الاقليمي لكنها ظلت صدى لما تنجزه المراكز الحضارية في وادي النيل وبلاد الرافدين وسورية.

 
  التحليل الكيميائي    

وظفت الباحثة ندى عبد الرؤوف الروابدة التحليل الكيميائي في سياق دراسة الواقع الاقتصادي لمملكة الانباط من خلال دراستها لمسكوكات نقدية نبطية ومعرفة نسب المعادن اذ دلت دراستها على ان زيادة عنصر النحاس على حساب الفضة من شأنه إظهار الضعف الاقتصادي للمجتمع النبطي والعكس صحيح.

وقالت في سياق دراستها:

" تمدنا القطع النقدية بالإطار المعرفي الذي يتعلق بالجوانب الحضارية لكل مجتمع من حيث السياسة والاقتصاد والدين وغيرها من المعطيات الحضارية، حيث تمثل القطع النقدية انعكاساً لثقافات الشعوب التي أصدرتها من خلال ما تحمله هذه القطع من رموز وصور وكتابات وطرق صناعة تدل كل واحدة منها على اهمية معينة.

لقد قامت هذه الدراسة بالتعرف على طرق التحليل التي تعرضت لها القطع النقدية موضوع الدراسة بالتفصيل ففي البداية تم تحليلها بواسطة استخدام الاشعة السينية، ثم تعرضت القطع للفحص الميكروسكوبي، الى ان حللت باستخدام جهاز الامتصاص الذري، كما تم شرح خطوات تجهيز العينة ومبدأ عمل الجهاز المستخدم في التحليل ومميزات هذه الطريقة. ثم تم عرض النتائج التي توصلت اليها الدراسة ضمن جداول توضح نسب العناصر الرئيسية والثانوية الداخلة في تركيبة المعادن لهذه القطع، وتوضيح نسب الشوائب التي وجدت في السبائك والتي لم تضف عن طريق ضارب العملة، بل وجدت ضمن المواد الخام.

من خلال النتائج التي توصلت اليها الدراسة، لوحظ ان "4" قطع فضية من اصل"5" قد تم صناعتها عن طريق طلاء معدن رخيص بمعدن اخر ثمين، أي اتضح بان القطع الاربعة هي نحاسية في الاصل، ثم تم طلاؤها بمعدن الفضة ثم بعد ذلك تم سكها.

تم بعد ذلك توضيح الوضع الاقتصادي والسياسي لكل مرحلة يعود اليها تاريخ هذه القطع، حيث ان القطع تعود الى فترات مختلفة هي كالآتي:

1-   القطعة ( A1 ) وتعود الى فترة القائد سيلاووس 9 ق. م.

2-   القطعة ( A2 ) وتعود الى فترة حكم الملك الحارث الرابع وزوجته الملكة خلدو 9 ق.م-2 م.

3-   القطعة ( A3 ) وتعود الى فترة حكم الملك رابيل الثاني وزوجته الملكة جميلة 76 ق.م-102 م.

4-   القطعة ( A4  ) وتعود الى فترة حكم الملك الحارث الرابع 6 ق.م.

5-   القطعة ( A5  ) وتعود الى فترة حكم الملك رابيل الثاني وامه الملكة شقيله 70- 73 م.

ومن خلال هذه الاوضاع تم ربط النتائج بها ليتسنى لنا الحكم على الطرق التي تم سك هذه القطع بها، وسبب اللجوء الى مثل هذه الطرق خلال فترات الحكم تلك.

كما تعرضت الدراسة لاهم التقنيات التي تم استخدامها في صناعة المسكوكات المطلية بالفضة، والدوافع السياسية والاقتصادية من وراء استخدامها. 
 
  اقتصاد الوقت ودراسة سوسيولوجية  

الدكتور حسين المحادين اعتمد في دراسته على ان الوقت مورد اقتصادي يستحيل تخزينه لذلك فان التعامل معه يوضح مدى المستوى الحضاري الذي يطبع مجتمعا ما واختار مجتمع وادي موسى الحديث ليكون موضوع ورقته.  

السؤال الأبرز الذي سلطت الدراسة الضوء عليه هو السعي لمعرفة هل هناك اختلاف في استثمار الآباء والأبناء داخل الأسرة في لواء البتراء ممثلا بمركز اللواء في وادي موسى من جهة وهل يقوم أفراد الأسرة هنا بتوزيع مورد الوقت لديهم حسب ما اتفق عليه عند علماء ميزانية الوقت الذي قسموا الوقت بجعله "24 ساعة" بمجمله على محاور ثلاث هي: وقت قضاء الحاجات الأساسية كالأكل والشراب والنظافة ووقت العمل او الدراسة بالنسبة للطلاب والاوقات الحرة التي تقع خارج الوقتين السابقين، ولكن هذا الوقت لم يخطط صاحبه بعد كيف سيقضيه وفي أي من الانشطة سواء كانت ايجابية ام سلبية.

الاهمية النظرية للبحث تكمن في ندرة البحوث السوسيولوجية في المكتبة العربية سواء في موضوعات الاستمرارية ام التغيير ومعرفة اثر التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها مجتمع الدراسة، وانعكاس ذلك على الأسرة البتراوية بمستوى جيلين.

الاهمية التطبيقية للدراسة ترمي الى تحديد مؤشرات داله على طبيعة واتجاه تلك التحولات المجتمعية واثرها على واقع استثمار الوقت لدى جيلي الدراسة، واخيرا السعي للاجابة على تساؤل مصاحب ان كان هناك تقسيم لميزانية الوقت لدى أي من الجيلين فما هي المحاور والانشطة التي تتشابه لدى جيلي الدراسة وما هي الموضوعات التي يتميز بها كل جيل عن الآخر ولماذا؟. الاوراق الاخرى تناولت جوانب متعددة سواء في بعدها الاثاري والانثروبولوجي او السوسيولوجي وكان المستفيد من هذا المؤتمر الوطن اولا والباحثين المشاركين الذين تبادلوا المعارف والمعلومات وما احوجنا دائما لنشاطات كهذه... فشكرا لاحفاد الحارث الثالث في وادي موسى...

زمن اخر.. صخر وردي.. حارث يتبع حارث.. صوت قادم من الجنوب...

نبطي..... بدوي...... خطت الصحراء جدوى خطاه....

  جريدة الهلال/الثلاثاء/4-10/أيلول/2001