الصدى في وسائل الاعلام

بيت الأنباط .... المجتمع المدني والنحت في الصخر!

الرأي /الأحد 2/9/2001

ياسر أبو هلاله

 

بعيداً عن غثاء السياسة في عمان فتح" مؤتمر التاريخ الاجتماعي لمنطقة البتراء وجوارها" نوافذ تطل على الماضي بقدر ما تستشرف المستقبل. وما كان لهذا الجهد العلمي ان ينجح لولا إرادة الجنود المجهولين في بيت الانباط الذين تعاونوا مع غيرهم من مؤسسات المجتمع المدني "بلدية وادي موسى، جمعية سيدات الوادي، نادي وادي موسى" ولم ينتظروا تمويلاً من الحكومة او قرارات منها بالتحرك.

الجهد العلمي الاجتماعي أكد ان ثمة في الاطراف الهامشية وبعيداً عن المركز في عمان قدرات مذخورة واعدة بالعطاء تبلورت في مؤسسات مجتمع مدني تتقن التخطيط والعمل والمتابعة، ولم تصلها بعد فيروسات الكسل والإحباط والتصدر الفارغ.

ليست المرة الاولى التي يبادر فيها بيت الانباط لحشد هذا الجهد العلمي فقد سبق وان عقد المؤتمر الدوري لدراسات الانباط عام 1999 بمشاركة 92 باحثاً من 23 دولة وقدم فيه 80 بحثاً علمياً، جهد يشبه النحت في الصخر الذي برع فيه الانباط !

ليس مبالغة اذا خرج من شارك في المؤتمر الأخير الذي انعقد الأسبوع الماضي او في مؤتمر عام 99 باستنتاج بان ذلك الجهد التثقيفي الوحيد بحضارة الانباط الذي يستفيد منه قطاع واسع من الاعلاميين وجمهورهم صحيح ان ثمة جهداً علمياً لم ينقطع تمثل في الكتب والأبحاث   والدراسات وحفريات التنقيب لكن ذلك كله ظل حبيس المكتبات ولا يستفيد منه غير المتخصصين.

مشكلة البتراء تكمن في التعامل معها بعقلية تسويقية فجة مبنية على الارتجال والدعاية. مع ان المطلوب غير ذلك تماماً. فالبتراء ليست الاهرام التي عرفت منذ القدم، بل هي حديثة عهد نسبياً ولم تحظ بحضور تسويقي الا عقب توقيع معاهدة السلام عام 1994 وقد حمل التسويق المسيس عيوباً تمثلت في ربطها المحكم بالتطورات السياسية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

الاردنيون لا يعرفون الانباط ، هذا جوهر المشكلة وهو ما يحتاج الى جهد علمي كالذي يبذله بيت الانباط ، وبالتوازن معه لا بد من جهود على مستوى تربوي في المدارس والجامعات والاعلام فاذا عرفنا الانباط بناة البتراء يغدو ممكناً ان نعرّف العالم بهم وبحضارتهم.

وعودة الى المؤتمر فقد قدم كسابقه رؤية معمقة للماضي وغاص في تفاصيل الحياة النبطية بدءاً من النقود والنقوش وانتهاءً بالعلاقات السياسية ونظام الري ولم يتوقف المؤتمر عند الماضي، بل تناول قضايا آنية ومستقبلية مثل البيئة والتسويق السياحي والذي شارك في المؤتمر او اطلع على أوراقه حصل على مادة نظرية تمكنه من فهم البتراء مشاكلها وافاق حلها.

إشارة أخيرة مهمة تتعلق بالمؤتمر، هو اللفتة التي قدمها رئيس جامعة الحسين ومدير دائرة الآثار فمع انهما غير مشاركين في الإشراف على المؤتمر او تقديم الأوراق إلا انهما شاركا في الحضور والحوار، هذا الحضور اللافت نبه الى الغياب اللافت الى سلطة إقليم البتراء مع أنها الجهة المعنية التي آلت لها سلطات وزارتي السياحة والبلديات وغيرهما من المؤسسات الرسمية.