الصدى في وسائل الاعلام

نداء من أجل البتراء!
الغد 22 /6 /2009
د.باسم الطويسي
تناقش اللجنة الإدارية في مجلس النواب هذا الأسبوع قانون "سلطة إقليم البتراء السياحي" المحال إليها من المجلس، بعد سلسلة من القوانين التي شهدتها البتراء منذ عام 1996 التي أوجدت تنظيما إداريا خاصا للمنطقة الأكثر حساسية في المملكة من الناحيتين  التراثية والسياحية، وفي نفس الوقت أوجدت تلك القوانين سلسلة من المشاكل والتحديات التي عرقلت التنمية المحلية وحدت من إسهام هذا الكنز التاريخي في الاقتصاد الوطني.

وفي الوقت الذي يقدم القانون الجديد بعض الحلول لتلك التحديات، أولها توحيد مرجعية الجهات المحلية تحت مظلة مرجعية واحدة، إلا ان مشروع القانون الجديد تغافل ولم يعالج اكبر تحدٍّ يواجه مدينة البتراء، وهو تحدي حماية الموقع الأثري واستدامته، الأمر الذي يدفع إلى المطالبة بأن يتضمن القانون الجديد مادة تنص على إنشاء "صندوق حماية آثار البتراء" في محمية آثار البتراء يخصص له 25% من دخل بوابة التذاكر، إلى جانب أي تبرعات أو منح أخرى تأتي لهذه الغاية.

هذا المطلب شرعي لا يحتاج الكثير من النقاش، فهنا تكمن واحدة من اثمن وأغلى المصالح الوطنية في المحافظة على هذه المدينة واستدامتها للأجيال القادمة باعتبارها أحد أهم رموز الهوية الوطنية والقومية بأبعادها السياسية والثقافية والإنسانية.

أمام مجلس النواب فرصة مهمة ومسؤولية وطنية وإنسانية للالتفات لقيمة التشريع الذي بين أيديهم، إنكم- أيها السادة النواب- تشرعون لمصير جذر أصيل في الثقافة العربية وأقدم ما تبقى من آثارها المادية، تشرعون لجذر الأردن الحضاري وهويته التاريخية الحقيقية في وقت نغرق في شبر ماء حينما نواجه أسئلة الهوية والتاريخ، والأجدر بهذا التشريع قبل أن يفصل المواد لمستقبل الاستثمار وعوائد السياحة أن يضمن استدامة هذا المورد التراثي وأن يوفر الضمانات الحقيقية لوقف التدهور الذي يهدد هذا الموقع.

يوجد من المبررات ما يكفي ويزيد كي تجعل من "صندوق حماية آثار البتراء" أولوية أساسية في هذا التشريع، فهناك عشرات التقارير العلمية والدراسات الأكاديمية التي تثبت حجم التدهور الذي لحق بآثار البتراء خلال العقود القليلة الماضية، حيث صنفت البتراء من بين مائة موقع تراثي في العالم مهددة بالزوال، والرؤية بالعين تثبت حجم الخراب الذي نال هذه المدينة والذي ازداد بشكل متسارع خلال العقدين الماضيين.

يكفي النظر الى حجم تأثير عوامل الحت والتعرية في الواجهات المعمارية الفخمة الفريدة على مستوى الفن المعماري الذي عرفته البشرية، يكفي النظر إلى الخراب والتدهور، الذي لحق بآثار أعظم نظام للري وإدارة المياه، يكفي النظر إلى آخر المصائب المتمثلة في الانهيارات والشقوق في السيق، والتي تنذر بكارثة ترتكب بحق الحضارة الإنسانية إذا ما انهار سيق البتراء احد أعظم رموز تراث الثقافات والطبيعة.

هناك عوامل عديدة تقف خلف التدهور السريع الذي لحق بآثار البتراء أهمها العوامل الطبيعية ومؤخرا التغير المناخي، ثم العوامل البشرية والتنمية العشوائية التي شهدتها المنطقة خلال العقدين الماضين، والتي لم تكن صديقة للبيئة التراثية، ثم انحصار الغطاء النباتي في المناطق المحيطة حيث شكل ذلك الغطاء خط الدفاع الأول عن المدينة الأثرية على مدى مئات السنين. بينما العامل المهم الذي يتقاطع مع العوامل السابقة يتمثل في عدم وجود مشاريع حقيقية للصيانة والحماية للمدينة نتيجة ضعف التمويل.

تخصيص 25% من إيرادات تذاكر دخول الموقع لن يشكل الحل المثالي لكل مشاريع الترميم والصيانة والأعمال الوقائية لآثار المحمية الممتدة على مساحة 200كلم2، لكنه سيشكل القاعدة المادية والتنظيمية لبدء المسار الصحيح، وعلينا أن نتذكر أنّ البتراء تقدم أكثر من نصف إسهامات القطاع السياحي في الناتج الوطني، أي أكثر من نصف ما يدخله هذا القطاع في خزينة الدولة من ضرائب تذاكر الطيران وصولا الى ضرائب الفنادق، وبذلك فمن الأحرى لو تعاملنا من منظور اقتصادي صرف ان نستديم هذا المورد.

أمام السادة النواب فرصة لإثبات الجدارة الوطنية لهذا المجلس؛ فإنقاذ البتراء وحمايتها أهم بكثير من الفرقعات السياسية وجدل تصفية الحسابات، ستلعننا جميعا الأجيال القادمة إذ لم نقم بذلك، حينما تتحول هذه المدينة العظيمة الى كومة رمال وحجارة وربما سترجم قبورنا بها.