الصدى في وسائل الاعلام

يوسف زيدان يكتب "النبطي": أين أدباؤنا؟!
الغد 18/6/2009
د.باسم الطويسي

جوهر الأردن الحضاري كانت غير أردنية، ولم تقدم  المؤسسات الثقافية فكرة واحدة تلفت الانتباه لتقدم الاردن

يعد الروائي المصري يوسف زيدان أحد أبرز وأهم كتاب الرواية  الجديدة في العالم العربي عامة وفي مصر خاصة، وحصلت روايته الشهيرة "عزازيل" هذا العام على الجائزة العالمية "البوكر" وطبع منها خلال عام واحد (11) طبعة وترجمت إلى (12) لغة.

قبل اسبوعين حظيتُ بفرصة جديدة لإعادة اكتشاف البتراء وجاراتها المنسيات من ضواحي تاريخية، يحملن احمالا ثقالا من تراث الثقافات وتراث الطبيعة؛ كان ذلك على مدى أربعة أيام برفقة يوسف زيدان احتفاءً ودعماً لمشروعه الإبداعي القادم المتمثل في الرواية الجديدة التي يعكف على  نقشها فوق امتداد الصخر العربي الممتد من البتراء مرورا بوادي عربة واطراف فلسطين وصولاً الى سيناء واطراف الدلتا، حيث المطبخ الساخن لنضوج الحضارات والأفكار الكبيرة.

رواية "النبطي" من المنتظر أن تقدم إضافة جديدة لديوان العرب الجديد، وأتوقع ان تطرح اسئلة فكرية وابداعية جديدة ستفيد في الكشف عن القيمة الثقافية والحضارية لجغرافيا قلب المشرق العربي وفي قلبها الاردن القديم، حيث أخبرني زيدان أن التفاصيل المادية التي وقف عليها أثناء تجواله الاخير أكملت التصور الذي يحمله والمرتبط بأسئلة فكرية وتاريخية يريد صياغتها ابداعيا خدمة لقوة التنوع الخلاقة، التي نؤمن بها، وادراكا ان هناك قوى في التاريخ والحضارت غيبت او همشت، ولكن قوة الحضارة الحقيقية بانسانيتها التي تجعلها تأبى الا ان تحضر.

وبين الدهشة وتيار الأسئلة الذي لا ينقطع كان سؤال زيدان هو السؤال الدائم نفسه، الذي كرره على مسمعي عشرات المرات العديد من المفكرين والأدباء الذين رافقتهم خلال أكثر من عقدين في زيارات للبتراء؛ أين الأدباء والمبدعون الأردنيون عن كل هذا الإبداع الحضاري؟ ولماذا لم ينعكس كل هذا في أعمال ابداعية معاصرة في الرواية والشعر والمسرح والسينما والنحت وحتى في الأعمال الفكرية!

ذاكرة البتراء المعاصرة شهدت زيارات ووقوفا في حاضرتها لمئات من الاسماء العالمية والعربية المهمة من مفكرين وأدباء وفنانين، كان يكفي ان تنشر صورهم في البتراء لكي يروجوا للأردن ومواقعه السياحية أكثر بمرات من جهود وزارات ومؤسسات ومكاتب خارجية وسفارات.

قبل وفاته بفترة قصيرة نشر الروائي الايطالي "البيوتر مورافيا" أحد أجمل النصوص الابداعية عن حضارات الشرق حول البتراء، طالعه معظم الايطاليين.

وفي عام 1992 رافقت الروائي المغربي الطاهر بن جلون، نحو عمق المدينة كل ما اتذكره عن تلك الرحلة حزنه لأنه لم يكن يعرف! وبعدها باشهر شاهدت الشاكر الكبير "أدونيس" يتجول مشدوها هناك من دون أن يعير انتباه أحد، وقبل ثلاثة أعوام غافل رجل الدين الكبير "الدالاي لاما" حراسه لساعات بحثاً عن معلومة ومعرفة اخرى غير الكلام، الذي يقدم للاستهلاك السياحي، ربما بدت له المدينة كأنها المركز الروحي المجهول للعالم.

كل المشاريع الثقافية الكبرى او التي تحمل معنى وقيمة ولامست جوهر الأردن الحضاري وقيم التنوع الإبداعي، التي يكتنزها، كانت للأسف غير أردنية، ولم تقدم لا وزارة الثقافة ولا الدوائر والمؤسسات الثقافية الاخرى فكرة واحدة تلفت الانتباه لتقدم الاردن الحضاري والثقافي للعالم.

نتذكر العمل الخالد للرحابنة والفنانة فيروز في مسرحية (بترا) ونتذكر ما فعلته السينما الاميركية في نهائيات الثمانينات في احد افلام سلسلة (انديانا جونز) وغيره من الافلام، وما فعلته جامعات غربية في مشاريع بحثية حول الاردن  وما ستفعله أعمال أدبية أخرى يتم الاشتغال عليها في هذا الوقت على الارض والورق.

هناك مهمة ثقافية ما تزال غائبة عن وعي الدولة وممارسة مؤسساتها، تعُنى بالربط بين الصناعة الاعلامية المعاصرة والموارد الثقافية باعتبار أن هذا الربط قدم ويقدم موارد تنموية جديدة وقيمة مضافة، ليست للترف بل فرص عمل ودخل وتحسين لنوعية حياة  الناس ايضا.

عودة إلى "النبطي" ويوسف زيدان، حيث من المنتظر أن يقول الأديب جملة ما تزال غامضة حينما تروى الأخبار الطوال في تاريخ المشرق العربي، لن تتحدث الرواية عن الأنباط أو الناس الذين شيدو البتراء ومدائن صالح وبصرى الشام وأم الجمال وعبده في جنوب فلسطين وحموا بحر غزة على مدى قرون، بل ستتحدث عن الأنباط المتأخرين ودورهم في العقود الأولى من العهود الاسلامية وبالتحديد الطريقة التي تم فيها فتح مصر. على الطريق ونحن بانتظار "النبطي"، للصديقين مفلح العدوان وفخري صالح الشكر والتقدير على دورهما في المهمة والانتظار أيضا.