الصدى في وسائل الاعلام

التراث اللامادي
د. جورج طريف
 
تاخذ مسألة الحفاظ على التراث اهميتها باعتبارها احدى الوسائل المهمة للدفاع عن حقوق الامة وشعوبها في المستقبل والايمان بأن المستقبل ماهو الا مكمل لماضي الامة بكل ما يتضمنه من انجازات على مختلف المستويات، وما يزال التراث الحضاري العربي والإسلامي في كثير من الدول محافظا على خصوصيته التي انفرد بها عن كل الحضارات الأخرى، وما تزال أوابدنا التاريخية شاهداً حياً، على أهمية هذا التراث في تأريخ المنطقة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.
 
 وقد أسهب الكثير من الباحثين والمؤرخين في الحديث عن صور التراث العربي والإسلامي المادي، وأفردت له صفحات كثيرة من الكتب والموسوعات، وكتب الكثير من المستشرقين الذين زاروا المنطقة عن التراث الحضاري والثقافي العربي والاسلامي ، إلا أن الجزء الآخر والمكمل لهذا التراث والذي لا يقل اهمية عن التراث المادي فيتمثل في التراث الحضاري اللامادي، والذي يتمحور في عدة مجالات أهمها: ‏
الفلكلور الشعبي، الموسيقا، القصص والأساطير، الأمثال الشعبية، والحكايا الشعبية والمهن التقليدية حتى النكتة أو الفكاهة يمكن اعتبارها جزءاً من هذا التراث، هذه الثروات الوطنية هي ثروات مهمة، لأنها تعبّر بشكل أو بآخر عن تراث لمجموعة من المجتمعات عاشت في فترة زمنية معينة ، وأسهمت في الحضارة البشرية بشكل تراثي وحضاري.  
 ولكن للأسف فإن هنالك فئات من المجتمع - ربما نظرا للتطور التكنولوجي السريع وانخراطها في عصر العولمة الحديثة - لا تعير اهمية لهذا التراث علما بأن روح هذه المجتمعات تكمن في تراثها الحضاري والثقافي اللامادي، لذا فان المحافظة على تراث كهذا يعتبر مطلبا إنسانياً وواجبا وطنيا ، وكل مجتمع لا يحافظ على ثروته هذه، فإنه يظلم نفسه، ويظلم أجياله القادمة التي تبحث في كثير من الأحيان في عصرنا الحاضر عن هوية .
 
 وقد احسنت الهيئة العربية للتواصل الحضاري والثقافي (بيت الانباط) صنعا حيث اعلنت عن بدء المرحلة الثانية من مشروع التاريخ الشفوي والتراث اللامادي لمنطقة البترا وجوارهاوقرب مباشرة العمل به حيث يهدف المشروع إلى المساهمة في تطوير منظور علمي ثقافي يسعى للحفاظ على كنوز التراث الثقافي وجمعها وتوثيقها ونشر الوعي بأهميتها وذلك تماشيا مع الاتفاقية الدولية للتراث الثقافي اللامادي، ومع الإعلان الصادر عن اليونسكو لحماية التراث اللامادي باعتبار التراث الشفوي والفضاء الثقافي لمنطقتي البترا ووادي رم من روائع التراث اللامادي الإنساني في عام 2005.
 كما يسعى المشروع إلى إجراء سلسلة من المسوحات الانثروبولوجية التي يشرف عليها مختصون للمجتمعات الريفية والبدوية والمحلية في البترا ووادي رم اللتين تشهدان نشاطا سياحيا واسعا رافقه اتصال ثقافي مكثف وحركة تنمية واسعة باتت تهدد التراث الثقافي اللامادي لهذه المجتمعات وتقلل فرص استدامته والحفاظ عليه ويتجه بيت الأنباط عضو التحالف العالمي لحماية التراث في المرحلة المقبلة إلى تنظيم سلسلة من حملات التوعية المحلية، إضافة إلى تطوير محتوى إعلامي علمي لتشجيع المجتمعات المحلية للمساهمة في حماية التراث الثقافي اللامادي والعمل على توثيقة وذلك من خلال مركز الوعي والتنمية الذي تم تأسيسه مؤخرا بالتعاون مع صندوق أصدقاء التراث العالمي .
 
ولا شك في ان تعميم هذه الفكرة على مختلف محافظاتنا والويتنا سيساهم الى حد كبير في حفظ ذاكرتنا الثقافية بجناحيها المادي واللامادي ويحقق اهدافنا المنشودة مع التاكيد على ان المسؤولية لا تقع على جهة معينة وانما على مختلف شرائح المجتمع ومؤسساته الاهلية والحكومية ابتداء من المدرسة ومرورا في المؤسسات الخاصة والعامة التي تعنى بهذه المجالات والجامعات وكليات المجتمع وانتهاء بوزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم ، ولعل في ادخال التراث اللامادي في المناهج التربوية المدرسية والجامعية ما يساهم في حفظ تراثنا من الضياع والاندثار ويتم تدوينه وتبويبه مكانيا وزمانيا بطريقة منسقة وواضحة ومفهومة تضعه في إطاره الدلالي الإنساني والاجتماعي ضمن المنظومة العامة للهيئات المتعلقة به او المسؤولة عنها ‏ خدمة للاجيال القادمة .