الصدى في وسائل الاعلام

بيت الأنباط: الإنجاز والتميُّز
د. سليمان البدور

«بيت الأنباط»، مؤسسة تطوعية «للتواصل الحضاري والثقافي»، نبتت في واحة من التناغم الحر المنقَّى من شوائب الفردية والجهوية والفضاءات العقائدية المحدودة، هذه «الهيئة» التي ولدت من رحم النوايا المجردة من الأهواء والأجندات المقيدة بالأهداف الضيقة، اتخذت من «البترا» مقراً لها بعد حصولها على الترخيص الرسمي عام 1997م، وكما نقرأ في الاستهلال المكثَّف، الذي تصدَّر نشرتها التعريفية، فقد انطلقت في بدايتها المتواضعة، «بعد سلسلة من الحوارات شارك فيها مجموعة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين الأردنيين».

ولم تمضِ سنوات قليلة على إنشائها، حتى تبوأت هذه «الهيئة» صدارة المشهد الثقافي والنشاط التطوعي، وبزخم غير مسبوق، في إقليم الجنوب على اتساع رقعته، ومن ثم انتزعت موقعها المتميِّز على المستويين المحلي والإقليمي بفضل القامات الثقافية الشابة التي استهوتها الفكرة واستشرفت أبعادها العلمية والتراثية والاجتماعية، وأخذت على عاتقها عبء التحديات التي عادةً ما تواجه الخطوات الأولى لطفولة الأفكار الجسورة، وعلى مدى عقدٍ واحد من السنين، تعملق الحرف حتى صار سِفراً، وأصبحت الهيئة العربية للتواصل الحضاري والثقافي «بيت الأنباط»، تعقد المؤتمرات وتقيم الندوات وتصدِّر النشرات التوعوية والكتب البحثية الممنهجة التي تغوص في عمق الحضارة النبطية العظيمة، تلك الحضارة التي ساهمت في رسم ملامح دورنا العربي في التاريخ القديم والحديث، لغةً وعمراناً ونُظماً اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، فحرفنا العربي في الزمن الحاضر ينحدر من أصل نبطي، ونُظم الري والتجارة والزراعة والجمارك وصكوك الملكية الخاصة بالأرض والتصرف بها معظمها يعود في جذوره لدولة الأنباط العربية، التي بلغ نفوذها مدينة دمشق، ونحتت عاصمتها في الصخر الوردي، كما جاء في قوله تعالى (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون من الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين، الأعراف، 74(.

في السابع عشر من شباط الماضي نظمت هذه الهيئة النموذجية، مؤتمرها السادس حول «مستقبل التنمية السياحية في إقليم البترا»، بمشاركة تسعة وعشرين باحثاً، عرضوا وناقشوا أوراقاً علمية قيِّمة تناولت مختلف المعوِّقات التي تعترض جهود التنمية بكافة محاورها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية، وقد استطاعت «الهيئة» بعلاقاتها الحيوية المتفرعة أن تستقطب هذا العدد الكبير من الخبراء والمهتمين من الأردن وخارجه، ليقدموا خلاصة ما لديهم من تجربة علمية وعملية أمام جمهور متأثر بالنشاط التنموي على نحوٍ مباشر، فضلاً عن عزم « الهيئة» نشر هذه الطروحات والإسهامات البحثية المتخصصة في كتاب تصدره قريباً وفق ما جرت عليه العادة في مؤتمراتها السابقة.

إن هذه التجربة التطوعية بما حققته من نجاح بحثي وتوعوي وترويج للمدينة الأثرية، ما كانت لتنجح لولا وضوح الرؤية لدى القائمين عليها وعمق الانتماء والعمل بروح الفريق والترفُّع الكامل عن المآرب الفئوية والشخصية!.